تمّ الإعلان أن نواب وزراء خارجية إيران والدول الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) سيشاركون في محادثات في سويسرا بشأن البرنامج النووي الإيراني، وذلك بعد أيام من إصدار الوكالة الدولية للطاقة الذرية قراراً ينتقد إيران “لعدم تعاونها” في الملف النووي، وهو قرار اقترحته بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة.
لم تفِ إدارة الرئيس بايدن بوعودها بالعودة إلى الاتفاق النووي، الذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل آحادي عام 2018، وأعادت فرض عقوبات شديدة وواسعة على إيران، بموجب استراتيجية “الضغوط القصوى” التي كان يهدف من خلالها إلى دفع إيران للجلوس إلى الطاولة ومناقشة اتفاق جديد بشروط أفضل للولايات المتحدة كما تمّ الإعلان عنها حينها.
ردّت إيران على الانسحاب الأميركي بالاندفاع إلى تجاوز الحدود النووية المنصوص عليها في الاتفاق وإجراءات أخرى مثل زيادة مخزونات اليورانيوم المخصب ومعالجته إلى درجة نقاء انشطارية أعلى، وتركيب أجهزة طرد مركزي متطورة لتسريع الإنتاج. واليوم، ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تتشدد الدول الأوروبية في تعاملها مع إيران، فتهدد بريطانيا بأنها ستسخدم آلية “سناب باك” أو ما يسمى آلية التفعيل التلقائي للعقوبات.
تنص آلية “سناب باك” على إعادة فرض عقوبات أممية على إيران كان مجلس الأمن أقرّها في قرارات سابقة على إيران، وذلك في حال كان هناك “خرق هام” لالتزامات إيران بموجب الاتفاق النووي لعام 2015 المعروف رسمياً باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة” (JCPOA) .
ويمكن لأي دولة مشاركة في خطة العمل الشاملة المشتركة تفعيل آلية “سناب باك”، وستدخل عقوبات الأمم المتحدة السابقة حيز التنفيذ تلقائياً بعد 30 يوماً من التقدم بالطلب، ما لم يصوّت مجلس الأمن على الاستمرار في رفع العقوبات.
لكن التصعيد الغربي بإعادة فرض العقوبات على إيران أمامه العديد من التحديات الجديدة المرتبطة بالتطورات الدولية التي حصلت خلال هذه الفترة الزمنية بين توقيع الاتفاق النووي والوضع الدولي الحالي، إذ من الصعب على الغربيين الحدّ من قدرة إيران على بيع نفطها، بالإضافة إلى انتهاء العديد من القيود الواردة في القرار 2231. على سبيل المثال، انتهت القيود المفروضة على عمليات نقل الأسلحة الإيرانية، كما انتهت القيود المفروضة على عمليات النقل المتعلقة بالطائرات من دون طيار والأسلحة والصواريخ الباليستية. وفي عام 2025، سوف تنتهي صلاحية البندين المتبقيين أيضاً: القيود المفروضة على عمليات النقل المتعلقة بالنووي وآلية التفعيل التلقائي نفسها.
بالإضافة إلى ذلك، من الصعب التصور أن كلاً من روسيا والصين، والهند ودول الجنوب العالمي ستلتزم بالعقوبات التي يطالب الغرب بإعادة تفعيلها على إيران، ولعل التجربة الغربية مع العقوبات على روسيا خير دليل على تناقص قدرة الغرب على فرض تصوراته على العالم في المرحلة الراهنة.
لكن، يبقى الهاجس الأساسي في قرار تشغيل snapback أنه سيؤدي إلى إعادة فرض العقوبات الأوروبية على إيران، علماً أن التأثير الاقتصادي على إيران في إعادة تفعيل العقوبات الأوروبية سيكون محدوداً نسبياً، إذ تخضع الشركات والمصارف وغالبية الكيانات الإيرانية لعقوبات من الولايات المتحدة، وبالرغم من أنها عقوبات آحادية، فلقد أثرت بشكل كبير على قدرة الشركات الغربية والشركات العالمية على الاستثمار في إيران.
أمر آخر يلعب لغير صالح تفعيل “سناب باك”، أن إيران التي تبدي حرصها الدائم على العودة إلى الاتفاق النووي، لا تبدو مستعدة لأن تبقي التصعيد الغربي ضدها من دون ردّ، وهو ما فعلته من خلال إعلانها أنها ستضع في الخدمة مجموعة من أجهزة الطرد المركزي «الجديدة والمتطورة»، رداً على قرار تبنّته “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
ويمكن أيضاً أن نذكر في هذا الإطار ما قاله علي لاريجاني، في منشور على منصة «إكس» من أن «إيران بدأت تخصيب اليورانيوم، ورفعت درجة نقاوته إلى أكثر من 60 في المئة” وأضاف أنه إذا أرادت الإدارة الأميركية الجديدة “ألا تمتلك طهران سلاحاً نووياً فعليها قبول شروطنا، مثل تعويض الخسائر، ومنح امتيازات أخرى للوصول إلى اتفاق جديد. و أوضح لاريجاني، أن «أميركا ألغت الاتفاق السابق وخرجت منه، وبهذا تسببت في خسائر لإيران”.
وعليه، وبالرغم من كل التهديدات الغربية بإعادة تفعيل العقوبات الأممية، فإن الحفاظ على “خطة العمل الشاملة المشتركة” والعودة إلى الاتفاق النووي هو من مصلحة الجميع على حدٍ سواء، وهو ما اعترف به الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي قال إن تداعيات عدم العودة إلى الاتفاق سيئة، لذلك ستتجه إدارته للعودة إليه.