تتبادل إيران والقوى الغربية الضغوط في الملف النووي، في انتظار تولي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مهماته رسمياً في 20 كانون الثاني (يناير)، ومعرفة ماهية السياسة التي سيتبناها حيال طهران بعد أربعة أعوام من مغادرته البيت الأبيض.
في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، زار المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي طهران، في مؤشر إلى نية طهران سلوك طريق التهدئة في الفترة الانتقالية بين رئاستي جو بايدن وترامب. وفي هذا السياق صدر كلام عن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أبدى فيه الاستعداد لـ”إزالة الشكوك” التي تساور الغرب حيال بعض نقاط البرنامج النووي الإيراني.
المرونة الإيرانية لم تحل دون طرح الترويكا الأوروبية، فرنسا وبريطانيا وبريطانيا، بدعم أميركي، مشروع قرار الخميس الماضي على مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ينتقد طهران بسبب ما وصفته بعدم تعاون طهران بما يكفي مع الوكالة في شأن برنامجها النووي.
ولم تتأخر إيران في الرد على القرار، الذي رأت أن “دوافع سياسية” تقف خلفه، فأعلنت أنها شرعت في تشغيل مجموعة من أجهزة الطرد المركزي “الجديدة والمتطورة”. هذا الإجراء يمكّن إيران، بحسب الهيئة الإيرانية للطاقة الذرية، “من زيادة كبيرة في قدرتها على تخصيب اليورانيوم”.
هذا التوتر المستجد، لم يمنع التواصل بين الجانبين والإعلان عن اجتماع في جنيف في 29 تشرين الثاني بين إيران والترويكا الأوروبية والاتحاد الأوروبي.
وما يقلق إيران فعلاً هو أن تطور الترويكا الأوروبية مواجهتها مع إيران لتصل إلى مشروع قرار في مجلس الأمن لتفعيل العقوبات الدولية “سناب باك” على إيران، التي كانت ألغيت عقب التوقيع على “خطة العمل المشتركة الشاملة”، وهي الإسم الرسمي للاتفاق النووي لعام 2015 بين طهران ومجموعة “خمسة زائد واحد”. وانسحب ترامب من الاتفاق عام 2018 واعتمد سياسة “العقوبات القصوى” على إيران، التي تحللت بدورها من القيود التي كان يفرضها الاتفاق في مسألة درجة التخصيب.
وعلى رغم أن روسيا والصين قد تسمحان يتمرير المشروع في مجلس الأمن، ستترافق مثل هذه الخطوة مع ممارسة مزيد من الضغوط الغربية على إيران. وقد يفرض ترامب مجموعة جديدة من العقوبات القاسية لحمل طهران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وينظر الغرب إلى إيران اليوم على أنها في أضعف وضع لها منذ 1979، وذلك استناداً إلى التحولات الإقليمية التي طرأت على مسرح الأحداث في الشرق الأوسط. من الحرب الإسرائيلية التي أضعفت حليفي إيران، “حزب الله” و”حماس”، فيما تعرضت لهجمات إسرائيلية مباشرة استهدفت دفاعاتها الجوية وقدراتها الصاروخية. وإذا ما أضيف إلى ذلك، ما يمكن أن تلحقه عقوبات أميركية جديدة من ضرر بالصادرات النفطية التي تبلغ اليوم 1.8 مليون برميل، يبرز السؤال عما إذا كانت هذه هي اللحظة المناسبة لانتزاع اتفاق نووي جديد من إيران.
وبديهي أن القوى الغربية تأخذ في الاعتبار هذه التطورات عندما تعمد إلى تحريك الملف النووي الآن.
وعلى الجهة المقابلة، طرح مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، علي لاريجاني، فكرة إعادة التفاوض مع الولايات المتحدة والغرب، للتوصل إلى اتفاق بديل من الاتفاق النووي الحالي “يستند إلى الوضع الجديد لإيران والمنطقة”.
وإذا كانت هذه رسالة موجهة إلى إدارة ترامب الجديدة، فإنه يمكن القول بشيء من اليقين، إن باب التفاوض قد فتح بين إيران والغرب، ولا تعدو الضغوط المتبادلة اليوم سوى جزء من لعبة تحسين المواقع.
وترامب الآتي باسم وقف الحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا، بحسب ما يقول، ستكون الطريقة التي سيتعامل فيها مع إيران، أحد مرتكزات التسويات في المنطقة وإنهاء الحروب.