صباح السبت الماضي، نقلت قناة «سكاي نيوز» الإماراتية خبراً نسبته إلى مصادرها، وفيه أن إيران «تتدخّل سراً في مفاوضات وقف إطلاق النار في لبنان بهدف إفشالها، ولضمان إعادة بناء قدرات حزب الله بعد الحرب»، مستخدمة اسم دبلوماسي إيراني بوصفه المكلّف القيام بهذه المهمة. غير أن القناة نفسها عادت ونقلت عن «مصادر إيرانية» أن طهران تدعم تنفيذ القرار 1701.
في العادة، يمكن أن يمرّ خبر خاص في أي مؤسسة إعلامية من دون أن يطّلع العاملون في غرفة الأخبار على مصدره. ومع أن الفريق الصحافي الفلسطيني العامل مع هذه القناة، من قلب الكيان، يظهر خبرة مهنية واتزاناً ليسا معروفَيْن عن القناة نفسها، فإنه يتميز أيضاً بامتلاكه صلات قوية داخل المؤسسة الإسرائيلية، تسمح له بالحصول على معلومات غالباً ما تكون دقيقة. لذلك استغرب بعض هذا الفريق الخبر الخاص بإيران، وزاد الاستغراب بعدما بدأت وسائل إعلام إسرائيلية تتداول الخبر نقلاً عن القناة الإماراتية، ما دفع عاملين في القناة إلى ترجيح أن يكون المصدر الأول للخبر إسرائيلياً.
الفكرة، أنه كان يمكن اختراع أسباب كثيرة لاتهام حزب الله مثلاً بأنه لا يريد اتفاقاً لوقف إطلاق النار، أو الحصول على موقف من محيط الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين يشير إلى عراقيل يفتعلها الحزب. لكنّ الإشارة المباشرة إلى ايران بدت متقاطعة مع حملة بدأها الفريق الإعلامي لرئيس حكومة العدو ضد إيران، مستخدماً هذا الخبر، قبل أن ينتقل إلى استخدام مقتل أو موت حاخام إسرائيلي (ضابط في جيش الاحتلال) في أبو ظبي، وبدء تسريب أخبار عن أن فريقاً إيرانياً اغتاله قبل الفرار إلى تركيا. تجربة دولة الإمارات مع عمليات الاغتيالات السياسية على أراضيها تدل على أنها ستكون مضطرة إلى كشف ما حصل، ليس لتحديد المسؤول عن عملية الاغتيال فحسب، بل لأن هذه هي طريقة هذه الدولة في الاحتجاج على أي أعمال أمنية تحدث على أراضيها. فهي منذ زمن طويل قبلت بأن تكون مسرحاً لنشاط أمني لأجهزة استخبارات من دول عدة وجنسيات مختلفة ومشارب متنوعة، لكنها كانت دائماً حريصة على ألّا يتحول تنافس هذه الأجهزة إلى أعمال تنفيذية على أراضيها. توجيه مثل هذه الاتهامات إلى إيران يبدو لافتاً لاعتبارات قد تكون مفيدةً إعادة التذكير بها:
أولاً، حرص الفريق اللبناني – العربي المعادي للمقاومة على تعويم سردية أن حزب الله، بعد استشهاد أمينه العام الشهيد السيد حسن نصرالله، صار يخضع لإدارة إيرانية كاملة، وليس في قيادة الحزب أي مسؤول لبناني له الحق في اتخاذ أي قرار سياسي أو عسكري.
ثانياً، تسليط الضوء من جديد على دور الدبلوماسية الإيرانية في لبنان، في سياق حملة أمنية ضد السفارة الإيرانية في بيروت، والتي ترافقت مع تسريبات إعلامية مصدرها تل أبيب، وشارك فيها مراسلون عرب يعملون في الكيان، بأن السفارة الإيرانية هي اليوم مقر لقيادة الحرب ضد إسرائيل، وترافقت الحملة مع تهديدات شاركت «القوات اللبنانية» في الترويج لها عن نية إسرائيل القيام بهجوم ضد السفارة الإيرانية بقصد قتل وخطف قيادات إيرانية ومن يوجد من قيادات لبنانية تتولى إدارة حزب الله والحرب.
ثالثاً، رغبة بنيامين نتنياهو، ليس في إبقاء الملف الإيراني حاضراً على طاولة أي بحث مع الإدارة الأميركية، بل حاجته في هذه اللحظة إلى «أرنب» يخرجه في اللحظة التي يضطر فيها إلى إصدار موقف واضح من مشروع التسوية مع لبنان، سيما أنه لا يزال يركّز على أن الأهداف الاستراتيجية لما يسميه «حرب القيامة»، تتركّز على ضرب إيران باعتبارها مصدر «الشرور التي تحيط بإسرائيل». وهو في هذا المجال، يريد أن يبقى العامل الإيراني حاضراً في كل الملفات، بما في ذلك ملف غزة، حيث يكرر قادة العدو بأن طهران هي من وفّر التمويل والتدريب لمقاتلي حماس الذين نفّذوا عملية 7 أكتوبر المجيدة.
ما سبق، يحيلنا مجدداً إلى الملف الذي لا يحتاج إلى طول بحث، لجهة الدور القذر الذي تلعبه دولة الإمارات العربية المتحدة في الحرب المجنونة ضد لبنان وفلسطين وسوريا والعراق واليمن. وهو دور بات يتجاوز الترحيب بأي منجز إسرائيلي، ليلامس حدود المشاركة المباشرة، سواء من خلال الدعاية الإعلامية الكثيفة ضد كل ما يمتّ إلى المقاومة بصلة، أو في ممارسة ضغوط على جهات بارزة في لبنان، وعلى الحكم في سوريا تحت عنوان «الابتعاد عن حلقة النار الإيرانية»، أو من خلال المساهمة في «أوراق الأيام التالية» في غزة، وفي لبنان وسوريا والعراق أيضاً.
ما ينبغي مراقبته في الأيام القليلة المقبلة، هو ما سيصدر عن الدوائر الرسمية في أبو ظبي حول نتائج التحقيقات التي تجريها لكشف ملابسات موت الحاخام الإسرائيلي أو مقتله، إذ إن تورّط الإمارات في لعبة إسرائيل، والذهاب نحو اتهام إيران بالمسؤولية عن الحادث، كل ذلك سيجعلنا أمام فصل جديد من المواجهة التي قد يرغب الإماراتيون في إشهار مشاركتهم فيها، لاعتقاد حكام أبو ظبي بأن دونالد ترامب سيحقق في هذه المواجهة ما عجزت الإدارة الراحلة عن القيام به، علماً أن دبلوماسيين في العاصمة الأميركية يتحدثون عن وثائق مكدّسة حول نشاط فريق دبلوماسي وأمني إماراتي بين الخارجية والبيت الأبيض والكونغرس ووسائل الإعلام ومراكز الدراسات، ضمن نشاط عنوانه الرئيسي مواجهة «أذرع إيران»، جزء منه مخصّص لقطر، إذ يراهن محمد بن زايد على تلقّي الدوحة ضربة تخرجها من النادي الدبلوماسي العالمي، بحجة أنها لعبت دوراً في رعاية تيار الإخوان المسلمين الذي أنجب حماس، وتربطها علاقة خاصة بحزب الله، وأنها وفّرت التمويل لجهات لها علاقة بأنشطة إرهابية ليس ضد إسرائيل فقط، بل طاولت المصالح الأميركية أيضاً
الصندوق الاسود