كما في كل مرّة، ما إن يغادر المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين بيروت، حتى يُصعّد العدو الصهيوني هجماته الوحشية، ما يثير الريبة عن «سر» التزامن الذي جعل من الرجل فخاً إسرائيلياً في لبنان.
بعد أيام على انتقاله من بيروت إلى تل أبيب ومنها إلى واشنطن، ومع استمرار الترويج لأجواء إيجابية حول اتفاق وقف إطلاق النار، وبعد تأكيدات أميركية بوجود ضغط جدّي على إسرائيل للقبول بالاتفاق، نفّذ العدو مجزرة في حي فتح الله الشعبي في العاصمة، في غارة بأربعة صواريخ خارقة للتحصينات استهدفت مبنى سكنياً، ما أدّى إلى سقوط 20 شهيداً و66 جريحاً في حصيلة أولية.
وليست هذه المرة الأولى التي يخدع فيها «الوسيط» الأميركي اللبنانيين. ففي نهاية تموز الماضي، كان شريكاً في تمويه سياسي رافق العملية الأمنية والعسكرية التي أدّت إلى اغتيال القائد في حزب الله فؤاد شكر، بعدما أكّد للمسؤولين في بيروت أن الرد الإسرائيلي على حادثة مجدل شمس سيكون خارج بيروت والضاحية، في سياق ما سمّاه «نجاح الدبلوماسية الأميركية في منع إسرائيل من القيام بعمل يقود إلى مواجهة شاملة مع حزب الله».
وفعلها ثانية أواخر آب الماضي حين كثّف جهوده الدبلوماسية لوقف التصعيد ففتحت إسرائيل الحرب بتفجير أجهزة الـ «البايجر» واغتيال القادة الجهاديين والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وبدء العملية البرية وضرب الضاحية وبيروت.
تسلسل الأحداث يثبت أن هوكشتين طعم إسرائيلي بلعته بيروت مرة أخرى. فما إن غادر حتى بدأ العدو الضغط بكل ما يملك من قوة نارية جوية وبرية على المقاومة لتحقيق إنجاز ميداني في الجنوب، مع تكثيف الغارات على الضاحية واستهداف منطقة فتح الله في بيروت، وهو ما قرأت فيه جهات سياسية لبنانية «رداً إسرائيلياً على الملاحظات اللبنانية» وأن «رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو لا يريد الحل»، و«يكرر سيناريو غزة في لبنان».
ومع أن مصادر دبلوماسية واصلت بعد الضربة التأكيد أن الجو إيجابي، أشارت إلى أن «المسؤولين في الإدارة الأميركية يؤكدون أن الاتفاق صارَ منجزاً وأن نتنياهو تعهّد بوقف إطلاق النار»، إلا أن أياً من المعنيين لا يملك جواباً حول موعد قبول إسرائيل بالاتفاق، لأن نتنياهو يريد وقفاً لإطلاق النار بتوقيته، وربطاً باعتبارات خاصة به وبالأميركيين، وهذا يعني أن الحرب قد تستمر أقله حتى كانون الثاني المقبل.
ويميل البعض إلى القول إن «نتنياهو قد يكون طلب وقتاً إضافياً لتحقيق بعض التقدم الميداني ليفاوض على هذا الأساس، كأن يضغط على لبنان للقبول ببعض الشروط مقابل انسحابه من بعض القرى، علماً أنه حتى اليوم لم يتمكن من احتلال أي قرية». واستبعدت مصادر مؤيّدة لهذا الرأي أن يكون ما حصل نسفاً للمفاوضات، مشيرة إلى أن العدو الإسرائيلي سيواصل تنفيذ عمليات استهداف حتى قبل ساعة من وقف إطلاق النار متى أتيحت له الفرصة».
وفي حين كانت وسائل الإعلام العبرية تواصل الحديث عن تقدم في مسار المفاوضات، ونقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مسؤولين كبار في إسرائيل تفاؤلهم بعد زيارة هوكشتين، كشفت مصادر بارزة أن «مقترح وقف إطلاق النار على جبهة لبنان وفق المسوّدة التي حملها هوكشتين بنسختها اللبنانية لم يكن موضع تجاوب من قبل العدو الإسرائيلي الذي لا يزال يرفض أن تكون فرنسا جزءاً من اللجنة المشرفة على وقف إطلاق النار، فيما يتمسك الأميركيون بأن يكون هناك فريق عمل إلى جانب الجنرال الأميركي الذي سينضم إلى اللجنة، لكنّ لبنان رفض ذلك وأكّد أن فريق العمل من الجانب اللبناني هو الجيش وقوات اليونيفل. كما رفضت تل أبيب مناقشة موضوع الحدود والنقاط المتنازع عليها، وطرحت أن يصار إلى التفاوض عليها بعد وقف إطلاق النار، علماً أن العدو لا يريد وقفاً لإطلاق النار، إنما يريد هدنة تستمر 60 يوماً للتحقق من مدى التزام حزب الله ولبنان ببنود المسوّدة، مقابل تمسك لبنان بفترة 7 أيام فقط. أما في ما يتعلق بحرية الحركة، فقد رفض لبنان مبدأ حق الدفاع عن النفس للطرفين لأنه لا يوجد تناسب في هذا الأمر. وأكّدت المصادر أن «كل هذه النقاط لم تُحسم بعد وتحتاج إلى وقت».