أيام ويدخل العدوان الإسرائيلي على لبنان شهره الثالث، آلاف الشهداء والجرحى، دمار هائل جنوبا وشمالا كما بيروت وضاحيتها الجنوبية، مشهد لا يبدو غريبا عن عدو يتعمد القتل والمجازر ومتعطش الى الدماء والخراب والدمار، لا يكاد يمضي يوم في لبنان دون ضحايا ، مجزرة تلو الأخرى، وقرية حدودية جنوبية تنسف ببيوتها وأحيائها تلو الأخرى، ولا تنسف معها قصص الصمود والتجذر والإصرار على البقاء، ضاربة كل النوايا الخبيثة وأضغاث أحلام العدو بالتقدم والاحتلال، فالجنوبيون وعلى مرارة تجاربهم المتكررة ومحاولات العدو الفاشلة بتهجيرهم وترهيبهم وهدم منازلهم الا انهم وبعد كل حرب يرجعون الى أرضهم وبيوتهم المهدمة ليفترشوا أنقاض بيوتهم وتراب أرضهم، يحتضنون أغصان أشجار زيتونهم، فالجنوبيون والأرض حكاية حب وتعلق وانتماء.
شمس الدين
تنضم قرية راميا الحدودية الملاصقة للحدود الفلسطينية الى القرى التي تم نسف أحيائها بالكامل، قرية راميا الجميلة بموقعها وأشجارها وطبيعتها الخلابة، عمد العدو وعلى مدار اكثر من سنة الى قصفها وتدميرها الى ان قام العدو مؤخرا بتفجير أحيائها. راميا التي صُنفت كمحمية طبيعية أصبحت الآن كأرض قاحلة خالية من الحياة.
فبحسب الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين فإنه “وعلى امتداد 120 كلم وهو الشريط الحدودي الفاصل بين لبنان وفلسطين من رأس الناقورة غربا وحتى شبعا شرقا بعمق يتراوح بين المتر والخمسمئة متر وصولا حتى أعمق منطقة ب3 كلم بمساحة 300 كلم مربع، تشمل هذه المساحة على 29 قرية ومدينة هي بمعظمها ترزح تحت القصف والتدمير”.
أضاف: “23 قرية من أصل 29 دمرت بشكل كبير جدا بحيث أنه ومع دخول جنود الاحتلال اليها قاموا بتفخيخها ونسفها بأكملها كقرى راميا، وميس الجبل ومحيبيب والظهيرة، معظم بيوت هذه القرية سويت بالأرض أو لم تعد صالحة للسكن مع الإشارة الى ان السكان كان عددهم 80 ألفا ويرتفع في الصيف إلى الضعف في شبعا وكفرشوبا وكفرحمام أقل وحلتا والماري وعلما الشعب ورميش والناقورة”.
وختم: “العودة مرتبطة بالتسوية وان كانت اسرائيل تعتبر أن عدم تمكين الناس من العودة هي ورقة للتفاوض”
في هذا الاطار يؤكد منسق الحكومة اللبنانية السابق لدى قوات “اليونيفيل” العميد منير شحادة ان “الهدف الأساسي مما يجري في الجنوب من نسف للقرى والتدمير الممنهج للبنى التحتية هو انتقام وضغط على بيئة المقاومة بالدرجة الأولى وضمان عدم العودة للجنوبيين الى منازلهم في اطار إقامة منطقة عازلة، ما يتطلب اخلاء هذه القرى من البشر والحجر”. وأشار الى أن “إسرائيل تعتمد حرب الاستنزاف عبر تهديدها الممنهج والمحدود لأهداف لها كما تزعم في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت فهي تريد الضغط بالنار لاجبار لبنان لابرام اتفاق بشروطها هي”، وبرر شحادة تصعيد العدوان الإسرائيلي في الآونة الاخيرة الى ان “التحركات الدولية اللافتة وأخرها مسودة الاتفاق الأخيرة التي وصلت الى رئيس مجلس النواب نبيه بري هي محاولة ضغط للقبول بالشروط التي وضعتها إسرائيل لوقف اطلاق النار”.
ويستبعد “الوصول الى اتفاق لوقف اطلاق النار في المدى القريب”، معتبرا ان “مسودة الاتفاق التي تلقاها الرئيس بري ملغومة ببنودها باعتبارها مناورة جديدة من نتنياهو الذي وسع أهدافه وتتطلعاته بتوسيع الحرب لضم أراضٍ جديدة لدولته وخصوصا مع فوز ترامب الذي سيضمن له ضم الضفة الغربية في فلسطين وتوسيع االرقعة الاستيطانية الاسرائيلية وانشاء ما يسمى دولة إسرائيل الكبرى”.
أمام كل هذه الوقائع والمستجدات والحلم الإسرائيلي بتوسيع دولته، تبقى محاولة العدو التوغل بريا في لبنان حتى جنوب الليطاني مطلبا صعب المنال اذا أن الميدان يفرض كلمته العليا، بأن أرض لبنان وتراب الجنوب سيظل عصيا على الانكسار، ولن يستطيع الإسرائيلي فرض سيطرته على أرض اندحر منها منذ ما يقارب ال٢٥ عاما، رغم محاولاته المتكررة، فالجنوبيون وعلى الرغم من مرارة ومعاناة النزوح سيعودون رافعين شارات النصر، لينزعوا روح كل متجبر محتل، فهذه الأرض كما قال الشاعر محمود درويش يوما: “لا تتسع لهويتين، أما نحن أو نحن”.